كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونقل العلقميّ عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعا أنه قال: «كنت نورا بين يدي ربي عزّ وجلّ قبل أن يخلق آدم بأربعة عشر ألف عام». كشف الخفا ومزيل الالتباس: [2/ 129]، حديث رقم [2007].
يقول: كنت إنسانا، ولا كنت موجودا، أو ليست النبوة إلا بالشرع المقدر عليه من عند الله تعالى؟ فأخبر سبحانه وتعالى أنه عليه السلام صاحب النبوة قبل وجوده في الأنبياء في الدنيا وهو روح قبل اتخاذه تعالى الأجسام الإنسانية، فكانت الأنبياء عليهم السلام في هذا العالم نواب محمد صلى الله عليه وسلّم من آدم إلى عيس عليهما السلام، وإلى هذا الإشارة بقوله عليه السلام: لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني، وكذلك لو كان محمد صلى الله عليه وسلّم موجودا بجسمه من لدن آدم عليه السلام إلى زمان وجوده، لكان جميع بني آدم تحت شريعته، ولهذا لم يبعث بشريعة عامة إلا هو صلى الله عليه وسلّم، فإنه الملك والسيد، وكل رسول إنما بعث إلى قوم مخصوصين، ولم تعم، فمن زمن آدم إلى زمن بعثة محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإلى يوم القيامة ملكه، وله يوم القيامة التقدم أيضا على جميع الرسل مع السيادة، فكانت روحانيته صلى الله عليه وسلّم روحانية كل رسول موجودة، والإمداد يأتي إليهم من روحه الطاهرة بما يظهر منهم من الشرائع والعلوم في زمن وجودهم رسلا، وكان تشريعهم الشرائع كما كان علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم يقضون في زمان وجود جسم رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكما يكون عيسى عليه السلام حين ينزل آخر الزمان بشرع محمد صلى الله عليه وسلّم، لكن لما لم يوجد صلى الله عليه وسلّم في الحسّ نسب كل شرع إلى من بعث به، وهو في الحقيقة شرع محمد صلى الله عليه وسلّم، وإن كان مفقود العين، كما يكون صلى الله عليه وسلّم مفقود العين في زمان نزول عيسى وحكمه بالشرع المحمدي، وكون محمد صلى الله عليه وسلّم نسخ الله بشرعه جميع الشرائع، لا يخرجها النسخ عن أن تكون من شرعه، فإن الله تعالى قد أشهدنا في القرآن والسنة النسخ مع إجماعنا واتفاقنا على أنه شرعه، فنسخ بالمتأخر، فكان هذا النسخ الموجود في القرآن والسنة المحمدية تنبيها لنا على أن نسخه لجميع الشرائع المتقدمة لا يخرجها عن كونها شرعا له، وكان نزول عيسى آخر الزمان حاكما بغير شرعه الّذي كان عليه في زمان رسالته، وحكمه بشرع محمد صلى الله عليه وسلّم أدلّ دليل على أنه لا حكم لأحد من الأنبياء مع وجود محمد صلى الله عليه وسلّم أو وجود ما قرره من الحكم، فخرج من هذا كله أن محمدا صلى الله عليه وسلّم ملك وسيد على جميع بني آدم، وأن جميع من تقدمه كان ملكا له، والحاكمون فيه كانوا نوابا عنه، فإن قلت: قال الله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ} 6: 90، قلت: هذا صحيح، فقد قال تعالى: {فَبِهُداهُمُ} 6: 90، وهداهم من الله وهو شرعه صلى الله عليه وسلّم، أي الزم شرعك الّذي أظهرته نوّابك من إقامة الدين وعدم التفرق فيه، ولم يقل سبحانه: فبهم اقتد، وكذا قال سبحانه: {ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا} 16: 123، وهو الدين، فهو صلى الله عليه وسلّم مأمور باتباع الدين، فإن أصل الدين إنما هو من الله تعالى لا من غيره، وأين هذا من قوله صلى الله عليه وسلّم: «لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني» فأضاف الاتباع إليه، وأمر هو صلى الله عليه وسلّم باتباع الدين لا باتباع الأنبياء، فإن السلطان الأعظم إذا حضر لا يبقى لنائب من نوابه حكم إلا له، فإذا غاب حكم النائب بمراسمه، فهو الحاكم في الحقيقة غيبا وشهادة، مما قيل في شرفه:
فإنك شمس والملوك كواكب ** إذا ظهرت لم يبد منهن كوكب.

فانظر ما أبدع هذا الفضل الّذي لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، الّذي لم ينتبه إليه إلا من شاء الله، وقليل ما هم، والله يختص برحمته من يشاء.
وأما عموم رسالته إلى الناس جميعا وفرض الإيمان به على الكافة، وأنه لا ينجو أحد من النار حتى يؤمن به صلى الله عليه وسلّم
فاعلم أن الإيمان به صلى الله عليه وسلّم هو التصديق بنبوته وإرسال الله تعالى له وتصديقه في جميع ما جاء به من الله وما قاله، ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة اللسان بأنه رسول الله، فإذا اجتمع التصديق بالقلب والنطق بالشهادة باللسان، تم الإيمان به والتصديق له، قال الله تعالى: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا} 64: 8، وقال: {إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} 48: 8- 9، وقال: {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ} 7: 158 {الَّذِي يَجِدُونَهُ} 7: 157. الآية، فالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلّم واجب لا يتم الإيمان إلا به، ولا يصح الإسلام إلا معه، وقد تقرر بما تقدم ثبوت نبوته وصحة رسالته، فوجب الإيمان به وتصديقه فيما أتى به وتعيّن ذلك، قال تعالى: {وَمن لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيرًا} 48: 13، وقال تعالى: {وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} 34: 28، وقال: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} 7: 158، وقال: {وَأَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيدًا} 4: 79، أي على رسالتك يشهد لك بإظهار المعجزات على صدقك، إذ المعجزة في قوة قول الله تعالى: صدق عبدي في أنه رسول، والثانية مقررة للأولى، لأنه إنما تثبت عموم دعوته بإخباره، وما ورد على لسانه، وخبره إنما يقبل إذا ثبت صدقه، وصدقه إنما ثبت بالمعجزات، فأذن نظم الدليل هكذا: محمد صلى الله عليه وسلّم أتي بالمعجزات فهو صادق، وكل صادق يجب قبول خبره بعموم دعوته، وهو المطلوب.
وخرج مسلم من حديث يزيد بن زريع قال: حدثنا روح عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله»، وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة، عن واقد بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوه عصموا مني دماءهم وأموالهم وحسابهم على الله».
وقال البخاري: «فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله». ذكره في كتاب الإيمان.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «عصموا» أي منعوا، وأصل العصمة من العصام وهو الخيط الّذي يشد به فم القربة ليمنع سيلان الماء.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «حسابهم على الله»، أي في أمر سرائرهم، ولفظة «على» مشعرة بالإيجاب، وظاهرها غير مراد، فإما أن تكون بمعنى اللام، أو على سبيل التشبيه، أي هو كالواجب على الله في تحقيق الوقوع، وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر، والاكتفاء في قبول الإيمان بالاعتقاد الجازم، خلافا لمن أوجب تعلم الأدلة، وقد تقدم فيه، ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد، الملتزمين للشرائع، وقبول توبة الكافر من كفره، من غير تفصيل بين كفر ظاهر أو باطن.
فإن قيل: مقتضى الحديث قتال كل من امتنع من التوحيد، فكيف ترك مؤدي الجزية والمعاهد؟
الجواب من أوجه:
أحدها: دعوى النسخ، بأن يكون الإذن بأخذ الجزية والمعاهدة متأخرا عن هذه الأحاديث، بدليل أنه متأخر عن قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} 9: 5.
ثانيها: أن يكون من العام الّذي خص منه البعض، لأن المقصود من الأمر حصول المطلوب. فإذا تخلف البعض لدليل لم يقدح في العموم.
ثالثها: أن يكون من العام الّذي أريد به الخاص، فيكون المراد بالناس في قوله صلى الله عليه وسلّم «أقاتل الناس»، أي المشركين من غير أهل الكتاب، ويدل عليه رواية النسائي بلفظ: «أمرت أن أقاتل المشركين». فإن قيل: إذا تم هذا في أهل الجزية، لم يتم في المعادين ولا فيمن منع الجزية، أجيب بأن الممتنع في ترك المقاتلة رفعها لا تأخيرها مدة كما في الهدنة، ومقاتلة من امتنع من أداء الجزية، بدليل الآية.
رابعها: أن يكون المراد بما ذكر من الشهادة وغيرها، التعبير عن إعلاء كلمة الله، وإذعان المخالفين، فيحصل في بعض بالقتل، وفي بعض بالجزية، وفي بعض بالمعاهدة.
خامسها: أن يكون المراد بالقتال هو، أو ما يقوم مقامه من جزية أو غيرها.
سادسها: أن يقال الغرض من ضرب الجزية اضطرارهم إلى الإسلام وسبب السبب سبب، فكأنه قال: حتى يسلموا أو يلتزموا بما يؤديهم إلى الإسلام، وهذا أحسن، ويأتي فيه ما في الثالث وهو آخر الأجوبة، والله تعالى أعلم فتح الباري: [1/ 102 – 105]، كتاب الإيمان باب [17] {فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [9: 5]، حديث رقم [25].
وخرج مسلم من حديث عبد الله بن بريد عن يحى بن يعمر قال: كان أول من قال في القدر بالبصرة معبد الجهنيّ، فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري.. حاجين أو معتمرين، فقلنا: لو لقينا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم فسألناه عن ما يقول هؤلاء.. في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر فاكتنفته أنا وصاحبي، كان أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ فقلت: أبا عبد الرحمن، إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفّرون العلم، وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون ألا قدر، وأن الأمر أنف، قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم براء مني، والّذي يحلف به قوله: «فاكتنفته أنا وصاحبي»، يعني صرنا في ناحيتيه، ثم فسّره فقال: أحدنا عن يمينه، والآخر عن شماله، وكنفا الطائر جناحاه، وفي هذا تنبيه على أدب الجماعة في مشيهم مع فاضلهم، وهو أنهم يكتنفونه ويحفون به.
قوله: «فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إليّ» معناه يسكت ويفوضه إليّ لإقدامي وجرأتي وبسطة لساني، فقد جاء عنه في رواية «لأني كنت أبسط لسانا».
قوله: «ظهر قبلنا ناس يقرءون القرآن ويتقفرون العلم»، هو بتقديم القاف على الفاء، ومعناه يطلبونه ويتتبعونه، هذا هو المشهور، وقيل معناه يجمعونه، رواه بعض شيوخ المغاربة من طريق ابن ماهان «يتفقرون»- بتقديم الفاء- وهو صحيح أيضا، معناه يبحثون عن غامضه، ويستخرجون خفيّه، وروى في غير مسلم: «يتقفون» بتقديم القاف، وحذف الراء، وهو صحيح أيضا، ومعناه يتتبعون.
قال القاضي عياض: ورأيت بعضهم قال فيه: «يتقعرون» بالعين، وفسّره بأنهم يطلبون قعره، أي غامضه وخفيّه، ومنه تقعّر في كلامه إذا جاء بالغريب منه، وفي رواية أبي يعلي الموصلي: «يتفقهون» بزيادة الهاء، وهو ظاهر.
قوله: وذكر من شأنهم. هذا الكلام من كلام بعض الرواة الذين دون يحى بن يعمر، والظاهر أنه من ابن بريدة الراويّ، عن يحى بن يعمر، وذكر ابن يعمر من حال هؤلاء، وصفهم بالفضيلة في العلم، والاجتهاد في تحصيله والاعتناء به.
قوله: «يزعمون أن لا قدر وأن الأمر أنف»، هو بضم الهمزة والنون، أي مستأنف لم يسبق به قدر ولا علم من الله تعالى، وإنما يعلمه بعد وقوعه كما قدمنا حكايته عن مذهبهم الباطل، وهذا القول قول غلاتهم، وليس قول جميع القدرية، وكذب قائله وضلّ وافترى. عافانا الله وسائر المسلمين.
عبد الله بن عمر لو أن لأحد مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر، ثم قال: حدثني عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يا محمد! أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا، قال: صدقت، فعجبنا له، يسأله ويصدقه! قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقت، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة، قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أمارتها، قال: أمارتها أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان، قال: ثم انطلق فلبث مليا، ثم قال لي: يا عمر! أتدري من السائل؟ قلت: الله.
قوله: قال- يعني ابن عمر رضي الله عنهما-: «فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم، وأنهم براء مني، والّذي يحلف به عبد الله بن عمر، لو أن لأحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر»، هذا الّذي قاله ابن عمر رضي الله عنهما، ظاهر في تكفير القدرية.
قال القاضي عياض رحمه الله: هذا في القدرية الأول، الذين نفوا تقدم علم الله تعالى بالكائنات، قال: والقائل بهذا كافر بلا خلاف، وهؤلاء الذين ينكرون القدر هم الفلاسفة في الحقيقة.
قال غيره: ويجوز أنه لم يرد بهذا الكلام التكفير المخرج من الملة، فيكون من قبيل كفران النعم، إلا أن قوله: ما قبله الله منه، ظاهر في التكفير، فإن إحباط الأعمال إنما يكون بالكفر، إلا أنه يجوز أن يقال في المسلم: لا يقبل عمله لمعصيته وإن كان صحيحا، كما أن الصلاة في الدار المغصوبة صحيحة، غير محوجة إلى القضاء عند جمهور العلماء، بل بإجماع السلف، وهي غير مقبولة، فلا ثواب فيها على المختار عند أصحابنا، والله تعالى أعلم. مسلم بشرح النووي: [1/ 259]، كتاب الإيمان، حديث رقم [1].
ورسوله أعلم، قال: فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم. هذا الحديث انفرد به مسلم، ولم يخرجه البخاري، وأخرجه أبو داود من طريق ابن بريدة بمثله أو قوله: «لا يرى عليه أثر السفر» ضبطناه بالياء المثناة من تحت، المضمومة، وكذلك ضبطناه في الجمع بين الصحيحين وغيره، وضبطه الحافظ أبو حازم العدوي هنا: «نرى» بالنون المفتوحة، وكذا هو في مسند أبي يعلي الموصلي، وكلاهما صحيح.
قوله: «ووضع كفيه على فخذيه»، معناه أن الرجل الداخل وضع كفيه على فخذي نفسه، وجلس على هيئة المتعلم، والله تعالى أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، هذا من جوامع الكلم التي أوتيها صلى الله عليه وسلّم، لأنا لو قدرنا أن أحدنا قام في عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى، لم يترك شيئا مما يقدر عليه من الخضوع والخشوع، وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه، على الاعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها، إلا أتي به، فقال صلى الله عليه وسلّم: أعبد الله في جميع أحوالك كعبادتك في حال العيان، فإن التتميم المذكور في حال العيان، إنما كان لعلم العبد باطلاع الله سبحانه وتعالى عليه، فلا يقدم العبد على تقصير في هذه الحال للاطلاع عليه، وهذا المعنى موجود مع عدم رؤية العبد، فينبغي أن يعمل بمقتضاه، فمقصود الكلام الحث على الإخلاص في العبادة، ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى، في إتمام الخشوع والخضوع، وغير ذلك، وقد ندب أهل الحقائق إلى مجالسة الصالحين، ليكون ذلك مانعا من تلبسه بشيء من النقائص احتراما لهم، واستحياء منهم، فكيف بمن لا يزال الله تعالى مطلعا عليه في سرّه وعلانيته.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان، وأعمال الجوارح، وإخلاص السرائر، والتحفظ من آفات الأعمال، حتى أن علوم الشريعة كلها راجعة إليه، ومتشعبة منه.
قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة، ألّفنا كتابنا الّذي سميناه: المقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان، إذ لا يشذّ شيء من الواجبات، والسنن، والرغائب، والمحظورات، والمكروهات، عن أقسامه الثلاثة، والله تعالى أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلّم: «ما المسئول عنها بأعلم من السائل»، فيه أنه ينبغي للعالم والمفتي وغيرهما، إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا أعلم، وأن ذلك لا ينقصه، بل يستدل به على ورعه، وتقواه، ووفور علمه.
قوله: «أن تلد الأمة ربتها»، وفي الرواية الأخرى «ربها» على التذكير، وفي الأخرى «بعلها» وقال: يعني السراري، ومعنى ربها وربتها، سيدها ومالكها، وسيدتها ومالكتها، قال الأكثرون من العلماء: هو إخبار عن كثره السراري وأولادهم، فإن ولدها من سيدها بمنزلة سيدها، لأن مال الإنسان صائر إلى ولده، وقد يتصرف فيه في الحال تصرف المالكين، إما بتصريح أبيه له بالإذن، وإما يعلمه بقرينة الحال، أو عرف الاستعمال.